moonstone ادارة
علم دولتك : مصر عدد المساهمات : 1135 نقاط : 2220 تاريخ التسجيل : 03/10/2009 العمر : 43
| موضوع: تفسير الطبرى الجزء الثالث من الفاتحة الإثنين نوفمبر 23, 2009 7:28 pm | |
| الْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر : مَعْنَى : { الْحَمْد لِلَّهِ } : الشُّكْر خَالِصًا لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ دُون سَائِر مَا نَعْبُد مِنْ دُونه , وَدُون كُلّ مَا بَرَأَ مِنْ خَلْقه , بِمَا أَنْعَمَ عَلَى عِبَاده مِنْ النِّعَم الَّتِي لَا يُحْصِيهَا الْعَدَد وَلَا يُحِيط بِعَدَدِهَا غَيْره أَحَد , فِي تَصْحِيح الْآلَات لِطَاعَتِهِ , وَتَمْكِين جَوَارِح أَجْسَام الْمُكَلَّفِينَ لِأَدَاءِ فَرَائِضه , مَعَ مَا بَسَطَ لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ مِنْ الرِّزْق وَغَذَّاهُمْ بِهِ مِنْ نَعِيم الْعَيْش مِنْ غَيْر اِسْتِحْقَاق مِنْهُمْ لِذَلِكَ عَلَيْهِ , وَمَعَ مَا نَبَّهَهُمْ عَلَيْهِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَاب الْمُؤَدِّيَة إِلَى دَوَام الْخُلُود فِي دَار الْمُقَام فِي النَّعِيم الْمُقِيم . فَلِرَبِّنَا الْحَمْد عَلَى ذَلِكَ كُلّه أَوَّلًا وَآخِرًا . وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيل قَوْل رَبّنَا جَلَّ ذِكْره وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ : { الْحَمْد لِلَّهِ } جَاءَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : 126 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : " قُلْ يَا مُحَمَّد : الْحَمْد لِلَّهِ " . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْحَمْد لِلَّهِ : هُوَ الشُّكْر , وَالِاسْتِخْذَاء لِلَّهِ , وَالْإِقْرَار بِنِعْمَتِهِ وَهِدَايَته وَابْتِدَائِهِ , وَغَيْر ذَلِكَ . 127 -وَحَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي حَبِيب , عَنْ الْحَكَم بْن عُمَيْر -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة - قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قُلْت الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , فَقَدْ شَكَرْت اللَّه فَزَادَك " . قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْل الْقَائِل : { الْحَمْد لِلَّهِ } ثَنَاء عَلَى اللَّه بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته الْحُسْنَى , وَقَوْله : " الشُّكْر لِلَّهِ " ثَنَاء عَلَيْهِ بِنِعَمِهِ وَأَيَادِيه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ ثَنَاء عَلَى اللَّه . وَلَمْ يُبَيِّن فِي الرِّوَايَة عَنْهُ مِنْ أَيّ مَعْنَيَيْ الثَّنَاء اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. 128 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى الصَّدَفِيّ , قَالَ : أَنْبَأَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَر بْن مُحَمَّد , عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : أَخْبَرَنِي السَّلُولِيّ , عَنْ كَعْب قَالَ : مَنْ قَالَ : " الْحَمْد لِلَّهِ " فَذَلِكَ ثَنَاء عَلَى اللَّه . 129 - وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْخَرَّاز , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن عَبْد الرَّحْمَن الْجَرْمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب الْقَرْقَسَانِيّ , عَنْ مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن , عَنْ الْأَسْوَد بْن سَرِيع , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ شَيْء أَحَبّ إِلَيْهِ الْحَمْد مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَلِذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَفْسه فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَا تَمَانُع بَيْن أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب مِنْ الْحُكْم لِقَوْلِ الْقَائِل : الْحَمْد لِلَّهِ شُكْرًا بِالصِّحَّةِ. فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ عِنْد جَمِيعهمْ صَحِيحًا , أَنَّ الْحَمْد لِلَّهِ قَدْ يَنْطِق بِهِ فِي مَوْضِع الشُّكْر , وَأَنَّ الشُّكْر قَدْ يُوضَع مَوْضِع الْحَمْد , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ أَنْ يُقَال الْحَمْد لِلَّهِ شُكْرًا , فَيَخْرُج مِنْ قَوْل الْقَائِل " الْحَمْد لِلَّهِ " مُصَدَّر " أَشْكُر " , لِأَنَّ الشُّكْر لَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى الْحَمْد , كَانَ خَطَأ أَنْ يَصْدُر مِنْ الْحَمْد غَيْر مَعْنَاهُ وَغَيْر لَفْظه . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه إِدْخَال الْأَلِف اللام فِي الْحَمْد ؟ وَهَلَّا قِيلَ : حَمْدًا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ! قِيلَ : إِنَّ لِدُخُولِ الْأَلِف وَاللام فِي الْحَمْد مَعْنَى لَا يُؤَدِّيه قَوْل الْقَائِل " حَمْدًا " , بِإِسْقَاطِ الْأَلِف وَاللام; وَذَلِكَ أَنَّ دُخُولهمَا فِي الْحَمْد مُنْبِئ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : جَمِيع الْمَحَامِد وَالشُّكْر الْكَامِل لِلَّهِ . وَلَوْ أُسْقِطَتَا مِنْهُ لَمَا دَلَّ إِلَّا عَلَى أَنَّ حَمْد قَائِل ذَلِكَ لِلَّهِ , دُون الْمَحَامِد كُلّهَا . إِذْ كَانَ مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : " حَمْدًا لِلَّهِ " أَوْ " حَمْدٌ لِلَّهِ " : أَحْمَد اللَّه حَمْدًا , وَلَيْسَ التَّأْوِيل فِي قَوْل الْقَائِل : { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } تَالِيًا سُورَة أُمّ الْقُرْآن أَحْمَد اللَّه , بَلْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ جَمِيع الْمَحَامِد لِلَّهِ بِأُلُوهِيَّتِهِ وَإِنْعَامه عَلَى خَلْقه , بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ النِّعَم الَّتِي لَا كُفْء لَهَا فِي الدِّين وَالدُّنْيَا وَالْعَاجِل وَالْآجِل . وَلِذَلِكَ مِنْ الْمَعْنَى , تَتَابَعَتْ قِرَاءَة الْقُرَّاءِ وَعُلَمَاء الْأُمَّة عَلَى رَفْع الْحَمْد مِنْ : { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } دُون نَصْبهَا , الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ مَعْنَى تَالِيه كَذَلِكَ : أَحْمَد اللَّه حَمْدًا . وَلَوْ قَرَأَ قَارِئ ذَلِكَ بِالنَّصْبِ , لَكَانَ عِنْدِي مُحِيلًا مَعْنَاهُ وَمُسْتَحِقًّا الْعُقُوبَة عَلَى قِرَاءَته إِيَّاهُ كَذَلِكَ إِذَا تَعَمَّدَ قِرَاءَته كَذَلِكَ وَهُوَ عَالِم بِخَطَئِهِ وَفَسَاد تَأْوِيله . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا مَعْنَى قَوْله : الْحَمْد لِلَّهِ ؟ أَحْمَد اللَّه نَفْسه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَأَثْنَى عَلَيْهَا , ثُمَّ عَلَّمْنَاهُ لِنَقُولَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ وَوَصَفَ بِهِ نَفْسه ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَا وَجْه قَوْله تَعَالَى ذِكْرُهُ إِذًا : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَهُوَ عَزَّ ذِكْره مَعْبُود لَا عَابِد ؟ أَمْ ذَلِكَ مِنْ قِيلِ جِبْرِيل أَوْ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ لِلَّهِ كَلَامًا . قِيلَ : بَلْ ذَلِكَ كُلّه كلام اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ; وَلَكِنَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ حَمِدَ نَفْسه وَأَثْنَى عَلَيْهَا بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل , ثُمَّ عَلَّمَ ذَلِكَ عِبَاده وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ تِلَاوَته , اِخْتِبَارًا مِنْهُ لَهُمْ وَابْتِلَاء , فَقَالَ لَهُمْ : قُولُوا الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " وَقُولُوا : " إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين " ; فَقَوْله : { إِيَّاكَ نَعْبُد } مِمَّا عَلَّمَهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنْ يَقُولُوهُ وَيَدِينُوا لَهُ بِمَعْنَاهُ. وَذَلِكَ مَوْصُول بِقَوْلِهِ { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } وَكَأَنَّهُ قَالَ : قُولُوا هَذَا وَهَذَا . فَإِنْ قَالَ : وَأَيْنَ قَوْله : " قُولُوا " فَيَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ مَا اِدَّعَيْت ؟ قِيلَ : قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْعَرَب مِنْ شَأْنهَا إِذَا عَرَفَتْ مَكَان الْكَلِمَة وَلَمْ تَشُكّ أَنَّ سَامِعهَا يَعْرِف بِمَا أَظْهَرَتْ مِنْ مَنْطِقهَا مَا حَذَفَتْ , حَذَفَ مَا كَفَى مِنْهُ الظَّاهِر مِنْ مَنْطِقهَا , وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْكَلِمَة الَّتِي حُذِفَتْ قَوْلًا أَوْ تَأْوِيل قَوْل , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَأَعْلَمُ أَنَّنِي لَا أَكُونُ رَمْسًا إِذَا سَارَ النَّوَاعِجُ لَا يَسِيرُ فَقَالَ السَّائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُمْ فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ لَهُمْ وَزِيرُ قَالَ أَبُو جَعْفَر : يُرِيد بِذَلِكَ : فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ لَهُمْ : الْمَيِّت وَزِير , فَأَسْقَطَ " الْمَيِّت " , إِذْ كَانَ قَدْ أَتَى مِنْ الْكَلَام بِمَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ قَوْل الْآخَر : وَرَأَيْت زَوْجَكِ فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الرُّمْح لَا يُتَقَلَّد , وَإِنَّمَا أَرَادَ : وَحَامِلًا رُمْحًا . وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا مَعْنَاهُ اِكْتَفَى بِمَا قَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامه عَنْ إِظْهَار مَا حَذَفَ مِنْهُ . وَقَدْ يَقُولُونَ لِلْمُسَافِرِ إِذَا وَدَّعُوهُ : مُصَاحَبًا مُعَافًى , يَحْذِفُونَ سِرّ وَاخْرُجْ ; إِنْ كَانَ مَعْلُومًا مَعْنَاهُ وَإِنْ أَسْقَطَ ذِكْره . فَكَذَلِكَ مَا حُذِفَ مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ : { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } لِمَا عُلِمَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : { إِيَّاكَ نَعْبُد } مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ : { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } مِنْ مَعْنَى أَمْره عِبَاده , أَغْنَتْ دَلَالَة مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْل عَنْ إِبْدَاء مَا حُذِفَ . وَقَدْ رَوَيْنَا الْخَبَر الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْره مُبْتَدَأ فِي تَفْسِير قَوْل اللَّه : { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَأَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ جِبْرِيل قَالَ لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. وَبَيَّنَّا أَنَّ جِبْرِيل إِنَّمَا عَلَّمَ مُحَمَّدًا مَا أُمِرَ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ . وَهَذَا الْخَبَر يُنْبِئ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ | |
|