فمما يليق بهذا الباب من كتاب الله عز وجل قوله تعالى : {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}(1) ، وقوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}(2) ، وقوله تعالى : {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ}(3) ، ويروى عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: « لو كان العسرُ في حجر لدخل عليه اليسر حتى يخرجَهُ » . وقال عليه الصلاة والسلام: « عند تناهي الشدة يكون الفرج ، وعند تضايقِ البلاء يكون الرخاءُ » . وقال علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : « أفضلُ عبادةِ أمتي انتظارُهَا فرجَ الله تعالى ». وقال الحسن لما نزل قوله تعالى : {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(4) قال النبي صلى الله عليه و سلم : « أبْشِرُوا فلن يغلبَ عسرٌ يسرَيْن » ومن كلام الحكماء: إن تيقنت لم يَبْقَ هَمٌّ .
قيل:
عسى الهــمُّ الــذي أمـسَـيْـتُ فيــه .... يـكــونُ وراءه فـَـرَجٌ قريـــبُ
فيــأمنَ خــــائفٌ ويغـاثَ عــانِ(5) .... ويـــأتـي أهـلَـهُ النَّائِي الغَرِيبُ
وقال آخر:
تصــبَّرْ أيُّهــا العبــدُ اللبيـــبُ .... لعلّــكَ بعــدَ صــبرِكَ مــا تخيــبُ
وكـــلُّ الحادثـاتِ إذا تـنـاهَتْ .... يكـــونُ وراءهـــا فَــرَجٌ قــريــبُ
وقال آخر:
فكُــنْ واثـقـًـا بالله واصـبـَرْ لِحُكْمِــهِ .... فـإنَّ زوالَ الشَّــرِّ عنــكَ سـريــعُ
ولنذكر نبذة ممن حصل له الفرج بعد الشدة:
روي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى صالح بن عبد الله عامله على المدينة المنورة أنْ أخْرِجِ الحسنَ بن الحسن بن علي من السجن - وكان محبوسًا - واضربه في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة سوط ، فأخرجه إلى المسجد واجتمع الناس وصعدَ صالح يقرأ عليهم الكتاب، ثم نزل يأمر بضربه، فبينما هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي بن الحسين عليه السلام فأفرج له الناس حتى أتى إلى جنب الحسن فقال: يا ابن العم مالك؟ أدْعُ الله تعالى بدعاء الكرب يُفًَرِّج الله عنك. قال: ما هو يا ابن العم ؟ فقال: لا إله إلا الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان رب السموات ورب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين ، ثم انصرف عنه. وأقبل الحسن يكررها فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل قال : أراه في سجنه مظلومًا أخْرِجُوهُ ، وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره ، فأطلق بعد أيام، وأتاه الفرج من عند الله تعالي .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة الطلاق : 7.
(2)- سورة الشورى : 28.
(3)- سورة يوسف : 110.
(4)- سورة الشرح : 5 – 6.
(5)- عان : أسير.