عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم انت ربي لا إله إلا أنت خلقتني , و انا عبدك و أنا على عهدك ووعدك ما استطعت , اعوذ بك من شر ما صنعت أبؤ لك بنعمتك علي , و أبؤ بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت , من قالها في أول النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة و من قالها من الليل و هو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة " (2) .
سمى النبي صلى الله عليه و سلم هذا الدعاء بسيد الاستغفار , و كما سبق فإن للاستغفار صيغاً أخرى لكن النبي صلى الله عليه و سلم خصه بهذه النقبة " سيد الاستغفار " و بالتأمل في ألفاظ هذا الاستغفار ما يحويه من معانٍ نجد أنه اشتمل على ما يلي :
- اللهم أنت ربي : إقرار الله عز وجل بتوحيد الربوبية .
- لا إله إلا أنت : إقرار بتوحيد الألوهية .
- خلقتني و أنا عبدك : إقرار من العبد بالعبودية و التذلل و الخضوع لله عز و جل .
- و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت : إقرار من العبد بالتزام الطريق المستقيم و منهج رب العالمين قدر استطاعته و استفراغ الجهد في ذلك .
- أعوذ بك من شر ما صنعت : لجؤ العبد و تحصنه بالله من جميع الشرور و الآثام و المعاصي التي ارتكبها .
- و أبؤ لك بنعمتك عليَّ : إقرار العبد و اعترافه بنعم الله عليه و تفضله و تكرمه على عبده بشتى أنواع النعم التي لا تعد و لا تحصى .
- و أبؤ بذنبي : اعتراف و إقرار العبد بالذنب سواءً كان هذا الذنب ذنباً معيناً أو الذنوب بصفة عامة .
- فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت : طلب المغفرة من الله عز و جل و التذلل بين يديه .
فبالنظر إلى ما اشتمله هذا الاستغفار من المعاني العظيمة سماه النبي صلى الله عليه وسلم " سيد الاستغفار " .
(1) أبؤ : أقر و أعترف .
(2) رواه البخاري .
الاستغفار من أسباب الرزق
الاستغفار من أهم أسباب الرزق – بفضل الله عز و جل – قال الله عز و جل حكاية عن نوح – عليه السلام - : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) (1) .
و قال حكاية نبيه هود عليه السلام - : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) (2) . ففي هذه الآيات رتب الله عز و جل على الاستغفار ما يلي :
1 ) إنزال المطر يتبع بعضه بعضاً قال ابن عباس ( مدراراً ) يتبع بعضه بعضاً .
2 ) البساتين و الجنات النظرة .
3 ) الأنهار العذبة التي تجري .
يقول القربطي – رحمة الله تعالى - : " في الآيات دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق و الأمطار , و يقول الحافظ ابن كثير - رحمة الله – في تفسيره :" أي إذا تبتم إلى الله و استغفرتموه و أطعتموه كثر الرزق عليكم و أسقاكم من بركات السماء و أخرج لكم من بركات الأرض , و أنبت لكم الزرع , و أدر لكم الضرع و جعل لكم جنات فيها أنواع الأنهار و خللها بالأنهار الجارية بينها " .
و قد تمسك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بما جاء في هذه الآيات عند طلبه المطر من الرب عز و جل فقد روى مطرف عن الشعبي أن عمر – رضي الله عنه – خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقيل له : " ما سمعناك استسقيت " فقال طلبت الغيث بمجاديح (3) السماء التي يتنزل بها القطر ثم قرأ (4) .
وقال عز و جل في كتابه الكريم : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) (5) .
ففي الآية الكريمة وعد من الله بالمتاع الحسن لمن استغفر و تاب و المراد بقوله (يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا) كما قال ابن عباس : يتفضل عليكم بالرزق و السعة (6) .
و قال القرطبي – رحمة الله – " هذه ثمرة الاستغفار و التوبة أن يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق و رغد العيش " .
و في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم : " من أكثر الاستغفار جعل الله له من هم فرجاً و من كل ضيق مخرجاً و رزقه من حيث لا يحتسب " (7) .
ففي هذا الحديث يخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم عن ثلاث ثمرات يجنيها من أكثر الاستغفار إحداها الرزق من الله الرزاق ذي القوة المتين من حيث لا يظن العبد و لا يرجو و لا يخطر بباله فعلى الراغبين في الرزق و كثرته و بركته المسارعة إلى الاستغفار بالمقال و الفعال , و لكن الحذر الحذر من الاقتصار على الاستغفار باللسان دون الفعال فإنه فعل الكاذبين .
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني ، أخواتي الكرام
هل تريد راحة البال. وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب والمتاع الحسن ؟
عليك بالاستغفار: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً} [هود: 3].
هل تريد قوة الجسم وصحة البدن والسلامة من العاهات والآفات والأمراض والاوصاب ؟
عليك بالاستغفار:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
هل تريد دفع الكوارث والسلامة من الحوادث والأمن من الفتن والمحن ؟
عليكم بالاستغفار: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [لأنفال:33].
هل تريد الغيث المدرار والذرية الطيبة والولد الصالح والمال الحلال والرزق الواسع ؟
عليكم بالاستغفار: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح :10ـ12].
هل تريد تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات ؟
عليكم بالاستغفار: {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58].
الاستغفار هو دواؤك الناجح وعلاجك الناجح من الذنوب والخطايا، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار دائماً وأبداً بقوله: (يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة.
والله يرضى عن المستغفر الصادق لأنه يغترف بذنبه ويستقبل ربه فكأنه يقول: يارب أخطأت وأسأت وأذنبت وقصرت في حقك، وتعديت حقوقك، وظلمت نفسي وغلبني شيطاني، وقهرني هواي وغرتني نفسي الأمارة بالسوء، واعتمت على سعت حلمك وكريم عفوك، وعظيم جودك وكبير رحمتك.
فالأن جئت تائباً نادماً مستغفراً، فاصفح عني، وأعف عني، وسامحني، وأقل عثرتي، وأقل زلتي، وأمح خطيئتي، فليس لي رب غيرك، ولا إله سواك.
يـارب إن عظمت ذنوبي كثرة ***** فلقد عـلمت بأن عفوك أعظم
إن كـان لا يرجوك إلا مـحسن ***** فبمن يـلوذ ويستجير المجرم
مــالي إليك وسيلــة إلا الرضا ***** وجميل عــفوك ثم أني مسلم
في الحديث : ( من لــزم الاستغفار جــعل الله لـه من كل هم فـرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ).
ومن اللطائف كان بعض المعاصرين عقيماً لا يولد له وقد عجز الأطباء عن علاجه وبارت الأدوية فيه فسأل أحد العلماء فقال: عليكم بكثرة الاستغفار صباح مساء فإن الله قال عن المستغفرين {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}[نوح :12]. فأكثر هذا الرجل من الاستغفار وداوم عليهن فرزقه الله الذرية الصالحة.
فيا من مزقه القلق، وأضناه الهم، وعذبه الحزن، عليك بالاستغفار فإنه يقشع سحب الهموم ويزيل غيوم الغموم، وهو البلسم الشافي، والدواء الكافي.
وقفة مع سيد الاستغفار قال تعالى ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ))